📁 آخر الأخبار

هل يوجد تأمين يغطى الكوارث الطبيعية؟ دليلك حول التأمين ضد الزلازل والفيضانات في عام 2025

التأمين ضد الزلازل والفيضانات

التأمين ضد الزلازل والفيضانات

في عالمٍ لا تهدأ فيه الأرض، ولا تعرف فيه السماء السكون، تقف الإنسانية دائمًا على حدود الترقب. لحظة واحدة، فقط لحظة، كفيلة بأن تقلب المشهد رأسًا على عقب، وتحوّل مدنًا عامرةً بالبهجة إلى أطلال باهتة، ومنازل كانت تضج بالضحك إلى ذكرياتٍ عالقة بين الركام. لحظةٌ تُعلن فيها الطبيعة عن غضبها، بلا مقدمات، بلا إنذار، فتأتي الزلازل بهزاتها الغادرة، والفيضانات بموجاتها المتدفقة كأنها في سباق مع الزمن لإغراق كل شيء.

في تلك اللحظات الموحشة، حين تعلو الصرخات، ويتوقف الزمن، يدرك الإنسان هشاشته، وأنّ كل ما بناه من طوبٍ وأسمنتٍ وحديد لا يصمد أمام زلزلةٍ واحدة، أو فيضانٍ عنيد. فماذا يبقى له؟ ماذا يُنقذ ما تبقّى من حُلم؟ إنها تلك الوثيقة البسيطة التي قد تبدو بلا قيمة في لحظات الاستقرار، لكنها في لحظات الخراب تتحول إلى طوق نجاة. إنها وثيقة التأمين ضد الزلازل والفيضانات، التي لا تمنع الكارثة، لكنها تُعيد رسم ملامح الحياة بعدها.

بين رجفة الأرض وانسكاب السماء... يولد الخوف

ما من إنسانٍ على هذه الأرض لم يشعر يومًا برهبة الطبيعة، ولا من حضارةٍ لم تسقط تحت أنقاضها. التاريخ حافلٌ بالشواهد. كم من مدينةٍ زُرعت بين الأودية اختفت تحت طوفانٍ مباغت؟ وكم من قريةٍ نام أهلها ليلًا مطمئنين، ليستفيقوا على ارتجاف الأرض وانهيار الجدران؟ ليست الكوارث الطبيعية أمورًا محتملة فقط، بل هي جزءٌ من النمط الكوني الذي لا يمكن التنبؤ بتوقيت تجلياته، مهما تطورت الأجهزة وتشعبت الأقمار الصناعية.

وهنا، يتجلى المعنى الحقيقي لفكرة التأمين: ليس كترفٍ اقتصادي، ولا كخدمة تكميلية، بل كفلسفة وقائية، تحمل في طياتها أبعادًا اجتماعية، وإنسانية، واقتصادية. هو أشبه ببطانية دافئة تُغطّي العائلة حين يشتدّ البرد، وبجسرٍ معلق فوق نهر الهلاك، ينقل الناجين من الضفة المنكوبة إلى بر الأمان.

التأمين ليس رقمًا... بل قلبٌ نابض بالحماية

حين نُحدّث الناس عن التأمين ضد الزلازل أو الفيضانات، كثيرون ينظرون إليه كرقم في ورقة، أو كمبلغ يدفع سنويًا. يغفلون عن عمقه، عن ما يحمله من طمأنينة نفسية قبل أن يكون تعويضًا ماديًا. إنه حزام الأمان في مركبة الحياة، لا يمنع الحوادث، لكنه يمنع أن يُقتل المرء وهو يُحاول النجاة.

تخيل معي، أبًا يعمل طوال عمره ليبني بيتًا صغيرًا يأوي إليه مع أسرته. يحفر أساساته بأحلامه، يكسوه بالحب، ويملؤه بالأمان. ثم في ليلةٍ مطيرة، تفيض المياه، ويجرف السيل كل شيء. هنا، لا يكون الحزن على الطوب والحجر، بل على الحلم الذي تهدّم. وفي تلك اللحظة، لا يكون الدعم المادي هو الأهم، بل الإحساس أن هناك جهة ما، نظامًا ما، لم يتركك وحدك. أن هناك من سيعينك على الوقوف، على إعادة البناء، على البدء من جديد.

اقتصاد الكوارث... حين تصبح الطبيعة خصمًا

ما لا يدركه الكثيرون أن الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية ليست مجرد خسائر فردية، بل هي خسائر اقتصادية تُصيب الدولة بأكملها. فيضانات تجتاح مدنًا تعني توقف حركة الأسواق، وانقطاع المرافق، وارتفاع نسب البطالة، وتكاليف ضخمة لإعادة الإعمار. وفي دولٍ لا توجد بها أنظمة تأمينية فعّالة، تصبح الكارثة مضاعفة، ويصبح الألم متراكمًا يمتد لأجيال.

أما في الدول التي تضع التأمين كأحد أركان بنيتها التحتية، فإن الفاجعة تتحول إلى أزمة مؤقتة، سرعان ما يتم امتصاص صدمتها. وهذا لا يتحقق إلا بتكامل ثلاثي الأضلاع: وعي المواطن، وجدية شركات التأمين، وصرامة الجهات الحكومية في فرض التأمين الإجباري في المناطق ذات الخطورة.

وعيُنا هو الحصن الأول

المشكلة في مجتمعاتنا ليست فقط في ضعف البنية التحتية، بل في ضعف الثقافة التأمينية ذاتها. ما زلنا نعتبر التأمين أمرًا اختياريًا، أو حتى أمرًا "مكروهًا" باعتقاد البعض، وكأن الكارثة لن تصل إليه. نعيش بمنطق "لن يحدث لي شيء"، حتى إذا ما حدث، تساءلنا بمرارة: لماذا لم نستعد؟!

إن نشر ثقافة التأمين ضد الزلازل والفيضانات لا يجب أن يقتصر على النشرات الحكومية أو صفحات الشركات، بل يجب أن يبدأ من المدرسة، من الدراما، من الإعلام، من الحديث اليومي في البيت والمقهى والمواصلات. يجب أن يصبح التأمين جزءًا من حياتنا كما الماء والهواء. لأننا في عالمٍ لا نستطيع التنبؤ بتقلباته، لا بد أن نُحصّن أنفسنا بأدوات تحمينا في أسوأ اللحظات.

التأمين... حقٌ لا رفاهية

التأمين ضد الكوارث الطبيعية ليس رفاهية للأغنياء، بل حقٌ لكل إنسان يسكن فوق هذه الأرض المتقلبة. هو وعدٌ غير معلن بأننا لن نُترك وحدنا حين يصرخ الجدار، حين يتكسر السقف، حين تجتاح المياه الطرقات كوحش هائج. هو رسالة بأن المجتمع يقف معك، أن الدولة تفكر في الغد، أن العالم يعي أن البناء لا يكتمل إلا بالحماية.

لا تنتظر الزلزال لتوقّع وثيقتك، ولا تؤجل التأمين حتى تغرق الشوارع. اجعله جزءًا من يومك، من أولوياتك، من مشروعك في الحياة. لأنك لا تشتري التأمين بمالك فقط، بل بأملك، بإيمانك أن الحياة تستحق أن نُحافظ عليها، حتى في وجه أشد الأعاصير.

هل التأمين يشمل الأطفال؟ إيجابيات وسلبيات التأمين على الحياة للأطفال

وفي الختام.. لا شيء يضمن لنا السلامة الكاملة، لكننا نستطيع أن نخطّط لها، أن نبني لها حواجز من الوعي والوقاية، أن نُخفّف من قسوة المجهول بما نملكه من عقلٍ ونُظم. التأمين ضد الزلازل والفيضانات هو وثيقة نجاة، وهو عهدٌ بين الإنسان والطبيعة، يقول فيه: "قد لا أستطيع إيقافك، لكنني لن أسمح لك أن تُدمّر كل شيء."

فليكن التأمين درعًا لا يصدّ الزلزال، لكنه يُمهّد لطريق العودة بعده. وليكن كل بيتٍ مؤمَّن، وكل فردٍ واعٍ، وكل مجتمعٍ محصّن، لأن الأرض ستظل تهتز، والمياه ستظل تغمر، أما نحن، فعلينا أن نستعد... أن نستعد جيدًا.

تعليقات