📁 آخر الأخبار

عاجل| ارتفاع أقساط التأمين في مصر بنسبة 41.7% خلال فبراير 2025: حين تصبح الطمأنينة حلمًا بعيد المنال

أقساط التأمين في مصر

أقساط التأمين في مصر

في زحمة الحياة وتقلّبات الزمن، لا شيء أغلى على الإنسان من الشعور بالأمان. ذلك الأمان الذي يجعله ينام قرير العين، مطمئنًا على مستقبله، على صحته، على أسرته، وعلى كل ما بناه بعرق جبينه طوال سنوات. ومنذ أن اخترعت البشرية أنظمة التأمين، كان المقصود منها أن تكون صمام الأمان الأول، وملجأ الحائرين في وجه الحوادث والمرض والمصائب. لكن، ما الذي يحدث حين تتحوّل هذه المظلة الواقية إلى عبء ثقيل؟ وماذا يعني أن ترتفع أقساط التأمين في مصر بنسبة 41.7% خلال شهر واحد فقط، كما حدث في فبراير من عام 2025؟

هذا الرقم الصادم، لا يُمكن المرور عليه مرور الكرام، فهو لا يعبر فقط عن تغير في سياسة تسعير أو ارتفاع في تكلفة خدمة، بل يكشف النقاب عن أزمة صامتة تضرب عمق البنية الاقتصادية والاجتماعية، وتبعث برسائل قلق للمواطن قبل المستثمر، ولرب الأسرة قبل رجل الأعمال، وللشاب المقبل على الحياة قبل العجوز الذي ينتظر راحة الكِبر.

حين تتكلم الأرقام.. فهل نُصغي؟

أن تسجل أقساط التأمين زيادة بنسبة 41.7% خلال شهر واحد، فإن هذا أشبه بزلزال اقتصادي صامت. لا يُحدث ضجيجًا، لكنه يترك تشققات عميقة في وجدان المواطن. تلك النسبة لا تمثل مجرد بيانات على أوراق صادرة عن هيئة رقابية أو تقرير اقتصادي، بل هي صدى حقيقي لصراع متفاقم بين طموحات الفرد اليومية والضغوط الاقتصادية القاسية. ولعل أكثر ما يُفزع في الأمر أن التأمين، الذي كان يُفترض أن يكون أحد أدوات التخفيف من الأزمات، قد أصبح في ذاته أزمة جديدة.

المواطن في قلب العاصفة: الطمأنينة مقابل الإنهاك

عندما يذهب المواطن البسيط، الموظف الذي يتقاضى راتبه بالكاد آخر كل شهر، أو العامل الذي يسعى في الطرقات كل صباح، ليجدد بوليصة تأمينه، ويُفاجأ بأن القسط قد تضاعف أو اقترب من الضعف، فإنه لا يرى في الأمر مجرد معاملة إدارية. بل يشعر وكأن هذا المجتمع قد بدأ يدفعه خارج نطاق الحماية، وكأن الطمأنينة لم تعد حقًا مكفولًا له، بل رفاهية لا يقدر عليها إلا أصحاب الثروات.

الأسرة المصرية، التي تُنفق ببصيرة ودقة، أصبحت اليوم أمام معادلة مؤلمة: إما دفع قسط تأمين مرتفع لا يعلم إن كانت ستحتاجه يومًا، أو استخدام هذا المبلغ في تأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء ومصاريف مدارس. وفي الحالتين، يبقى هناك شعور خفي بالخذلان، وكأن الأمان بات بعيدًا، محجوزًا خلف بوابات الأغنياء فقط.

شركات التأمين: بين مطرقة الاقتصاد وسندان الثقة

من ناحية أخرى، تقف شركات التأمين، على اختلاف أنواعها، أمام معضلة لا تقل تعقيدًا. فهذه الزيادة في الأقساط، التي قد تراها ضرورة اقتصادية، تجعلها في مرمى انتقادات الرأي العام. وهي اليوم مطالبة بتبرير هذه الزيادات، ومطالبة أكثر بأن توضح للمواطن إلى أي مدى هي ملتزمة بحماية مصالحه لا فقط بجني الأرباح.

شركات التأمين تقول إن ارتفاع التكاليف التشغيلية، وتضخم أسعار الخدمات الطبية وقطع الغيار للمركبات، إلى جانب ضعف قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، كلها أسباب فرضت إعادة تسعير الخدمات التأمينية. لكن المواطن لا يسمع هذه المبررات بنفس الطريقة. فهو يرى أنها مجرد مبررات جديدة لزيادة الضغط عليه، في وقت لا يملك فيه رفاهية الرفض أو الخيارات البديلة.

الطبقة المتوسطة: عمود الوطن المهدد

لعل أكثر المتضررين من هذا الارتفاع الكبير هم أبناء الطبقة المتوسطة. أولئك الذين يحملون عبء المجتمع على أكتافهم، يدفعون الضرائب، ينفقون على تعليم أبنائهم، يسعون إلى مستقبل أفضل، وفي الوقت ذاته يحاولون جاهدين أن يوفروا الحد الأدنى من التأمين لأنفسهم ولأسرهم.

ولكن مع هذه الزيادة المفاجئة، بدأ الكثير من أفراد هذه الطبقة يُعيدون حساباتهم. فالتأمين الطبي الذي كان يُجدد سنويًا بات يُلغى، وتأمين السيارات لم يعد خيارًا مفضّلًا، وتأمين الحياة الذي كان يُعقد من باب الحرص على مستقبل الأبناء بدأ يُنظر إليه باعتباره ترفًا لا طائل منه في ظل الظروف الراهنة.

هل غابت الدولة؟ أم أن صوتها لم يصل؟

في خضم كل هذا، يتساءل المواطن عن موقف الدولة. أين الرقابة؟ أين السياسات التي تُوازن بين حماية الشركات وضمان العدالة للمواطن؟ أين المبادرات التي وعدت بتوسيع مظلة التأمين الصحي والاجتماعي؟ هل باتت الأسواق تتحكم في مصائر الناس بلا حسيب أو رقيب؟ أم أن هناك خطوات تُجهّز بصمت وستظهر لاحقًا؟ المواطن بحاجة اليوم إلى خطاب صريح من الدولة، يوضح ما يحدث، ويبين ما يجب أن يكون.

الدولة مسؤولة عن تنظيم هذا القطاع، ليس فقط بالقوانين، بل بروح العدالة الاجتماعية. عليها أن تتدخل لتفرض توازنًا واضحًا بين الأسعار والخدمات، بين حق الشركات في الربح وحق المواطن في الطمأنينة، بين النمو الاقتصادي وحماية الفئات الأضعف.

نحو مستقبل تأميني عادل: هل هو ممكن؟

رغم كل ما سبق، لا يزال الأمل قائمًا. فما زال بالإمكان إصلاح ما فسد، وترميم ما تهدّم من الثقة. يمكن عبر مبادرات جديدة أن تعود الطمأنينة إلى قلب المواطن، وأن تُعاد هيكلة أسعار التأمين بحيث تراعي الفروقات الطبقية، وأن تُقدم خدمات تأمينية بأسعار رمزية للشرائح الأقل دخلًا.

كما يجب أن تتحمل الشركات جزءًا من المسؤولية الاجتماعية، وأن تعلن عن برامج دعم أو خصومات خاصة لكبار السن، أو للعاطلين عن العمل، أو لأصحاب الأمراض المزمنة. فالتأمين الحقيقي لا يقاس فقط بعدد الوثائق المباعة، بل بمدى شعور المواطن بالأمان عندما يحتاج إلى من يقف إلى جانبه.

أرخص عروض التأمين الصحي في مصر: مقارنة بين الشركات

الخاتمة: ما بين الألم والأمل.. تبقى الطمأنينة هدفًا يستحق النضال

ارتفاع أقساط التأمين في مصر بنسبة 41.7% ليس مجرد تغير اقتصادي، بل لحظة فاصلة في علاقة المواطن بمنظومة الحماية التي طالما اعتبرها صمام الأمان. هو صرخة خافتة من قلب كل من يشعر بأن الأمان بدأ يُسحب من بين يديه. لكن ما زال بإمكاننا أن نحول هذه الأزمة إلى فرصة، أن نراجع الحسابات، أن نُعيد البناء، وأن نحول التأمين من عبء إلى وسيلة حقيقية لبناء الثقة والطمأنينة في وطن يستحق أن يكون للجميع، لا للأقوياء فقط.

تعليقات